د. خليـل فاضـل... طبيب نفسى
إذا حول موظف ما إلى المستشار النفسي للمؤسسة التي يعمل بها، بهدف حضور جلسات «التحكم في الغضب»، فمن الممكن أن يكون هذا الرجل محبطا، أو أنه، ببساطة، غير قادر على كبح جماح غضبه، لكنه -كما يقول- يعتقد أن المشكلة سببها استفزاز الآخرين له.
ولكن، لا دخان بلا نار، وقد يتبين أن الأمر يتعدى حدوده من العمل إلى البيت، شجار دائم مع الزوجة والأولاد، وأحيانا الجيران.
شخصت حالة الرجل على أنه يعاني من اضطراب في الشخصية، بما يعني الجنوح عن (الطبيعي) بالنسبة إلى مجتمعه، وبيئته المحيطة، وثقافته، وأن سلوكه صار معيبا، وأن الأمر مستمر منذ الطفولة وحتى وقت فحصه النفسي.
بالبحث والتحليل تأكد أن الرجل -أيضا- يغار على زوجته لدرجة مرضية، وأنه حساس للغاية لأمور عادية، مما أثر سلبا على تعليمه، وتطوره، وعلاقاته، وأدائه الاجتماعي.
غير أننا، في مثل تلك الحالات، لا بد أن نفتش أين يكمن ذلك الغضب، فربما كان هناك نوع من الإدمان على الخمر، أو المخدرات، أو كانت هناك بوادر اضطرابات نفسية أخرى كالفصام أو الاكتئاب.
حالة انفعالية
* الغضب شعور إنساني اعتيادي (صحي أحيانا، لأن الذي لا يغضب إطلاقا يكون باردا، وأحيانا بليد الحس)، لذلك لا بد أن يكون الغضب محدودا في إطار الفعل، كرد فعل، ولا يتعدى إلى الإيذاء.
ومن ثم فإن الغضب «حالة انفعالية»، تتراوح في حدتها ما بين الانزعاج والضيق والتبرم، إلى الغضب الجامح والشديد، وتصحبه عادة متغيرات فسيولوجية وبيولوجية، مثل زيادة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى هرمونات الأدرينالين والنور أدرينالين. وتسببه عوامل داخلية وأخرى خارجية، عند استفزاز الشخص، أو بسبب ذكرى أليمة، أو نتيجة تعد على الحقوق. وقد يأخذ ذلك صورة لفظية أو جسدية، إما في شكل صراخ، أو تلويح بالأيدي، أو التعدي بالكلمات.Your browser may not support display of this image.
يتعامل الإنسان مع غضبه، على المستوى الشعوري واللاشعوري، إما بالتعبير الصريح عنه، أو بكبته، أو بالهدوء التام. وإذا كبت الغضب يتحول أو يتغير اتجاهه، ربما نحو أمر إيجابي كالكتابة، وربما في صورة لكمة لوسادة أو كيس من الرمل.
كبت الغضب وامتصاصه
* الغضب المكبوت يسبب مشكلات، أهمها تكوين شخص (عدواني - سلبي)، يستخدم أساليب ملتوية للالتفاف حول عنق الناس للانتقام منهم، وقد يأخذ شكل الامتناع، أو النقد اللاذع، أو انتهاج سلوك سخيف قد يزعج الجميع.
إلا أن البعض يمتلك قدرة وموهبة امتصاص الغضب، والهدوء والتريث والتأمل، والتحكم في الاستجابات الداخلية باتخاذ خطوات بسيطة، كالتنفس بعمق من الأنف وإخراج الهواء المليء بالغضب من الفم، أو العد من واحد إلى عشرة، أو الانصراف إلى صورة خيالية باعثة على الاسترخاء كشاطئ البحر.
إنه فن ومنهج وأسلوب حياة.
عوامل إثارة للغضب
* لتسأل نفسك: هل أنا غاضب جدا، هل تعبيرات وجهك ولغة جسدك قاسية ومخيفة لمن هم حولك، لكن لماذا بعض الناس أكثر غضبا من غيرهم؟ لماذا بعض الناس دائما حانقون وتسهل استثارتهم؟
عادة ما يكون الإنسان المحبط (أو الفاشل) أكثر عرضة للغضب، وعدم القدرة على التحكم فيه. وفي الحقيقة ذلك دليل ضعف لا قوة، لأن الذي لا يمتلك الحجة للإقناع، أو الذي لا يتمكن من كبح جماح غضبه، هو شخص غير مكتمل الإرادة وغير ناضج.
إن ثمة عوامل متطورة، لكن من المؤكد أن هناك عوامل أخرى (وراثية وفسيولوجية) تتحكم في بنية الإنسان الذهنية، وفي سلوكياته وعاداته. هذا بالطبع في تزاوجها مع البيئة المحيطة، لأن من يشب في بيت غاضب مليء بالصراخ والزعيق والتوتر والقلق، تتكون لديه أساسيات ومكونات لحالة غاضبة مهيأة للانفجار، كما أن الإصابة بالاكتئاب والقلق والحسرة وضعف الأنا (الشخصية غير المؤكدة كذاتها) تسهم في حالة الغضب وتطورها.
في كثير من الأحوال يقود فقدان الإنسان للحب، وللقدرة على التواصل والحميمية، إلى جعل الإنسان غير قادر على التعبير عن ذاته، إلا بالغضب. لكن لا يجب أن يعلق الناس أخطاءهم على شماعة الوراثة والبيئة المحيطة، وعليهم أن يتحملوا مسؤولية غضبهم، ويفكروا بمنطق تحضر.
استراتيجيات التحكم في الغضب
الاسترخاء الذهني والجسدي
*تنفس بعمق وتخيل صور جميلة لمشاهد حقيقية، أو استعارة خيالات مريحة ذهنيا.
* تمدد على ظهرك في غرفة خافتة الضوء معتدلة الحرارة، ربع ساعة يوميا. أغلق عينيك ولا تفكر في شيء، أو ركز على شيء غير موجود، فتصب فيه طاقتك وتركيزك، مما يتيح لجسدك وذهنك فرصة الاستقرار والتأمل.
* ردد على نفسك (في ذهنك) كلمات كالثقة والهدوء والشجاعة. «أنا قادر على التحكم في غضبي»، «أنا أفضل مما أظن»، «أنا لم أستخدم كل إمكانياتي للتطور بعد»...
* إعادة التركيب الذهنية، بمعنى أن تغير طريقة تفكيرك، فالغاضبون يزعقون ويلعنون ويسبون، ويزيدون الأمر سوءا بالمبالغة وتضخيم الأمور والتهويل من توافهها.
* حاول أن تستبدل بأفكارك السلبية الحانقة، أخرى إيجابية واضحة معقولة مريحة، قل لنفسك: «أنا أعلم أن هذا الأمر محبط، أو أن هذا الشخص مزعج، أو... أو... لكن هل غضبي الشديد سيصلح من الأمر أم سيفسده؟
* لا تستخدم كلمات مثل «أبدا» و«دائما» عندما تعبر عن نفسك.
* حاول أن تتحدث بلغة متواضعة، مثل: «أحاول أن أفهم»، «قد يكون هناك حل آخر».
* المنطق يهزم الغضب
* شعار جميل، استخدمه بهدوء مع نفسك ولنفسك أينما كنت، في البيت أو العمل أو الشارع، في تعاملاتك اليومية مع من لا تعرفهم ومع من تعرفهم.
*تجنب أن تأمر «لازم ولا بد أن أحصل على كذا...» أو ما شابه ذلك، لأن أسلوب الأمر والنهي يستفز الآخرين، حتى لو كان هو الأضعف، ويدفعه، لا شعوريا، إلى استفزازك.
خطوات لحل المشكلة
* في أغلب الأحوال يكون الغضب نابعا من مواقف لا تستحق، ومن أمور بسيطة جدا.
- ضع لنفسك خطة حل مشكلاتك، حتى لو كانت زوجتك تترك أنبوبة معجون الأسنان مفتوحة، أو أن زوجك لا يطفئ النور وأنت نائمة. اختر الوقت المناسب لتوجيه الغضب، بعد أن تقوم أنت في هدوء وتطفئ النور وتغلق أنبوبة معجون الأسنان.
- التواصل الطيب، فالكلمة الحلوة والطلب البسيط المتواضع مهمان، وكذلك التخلي عن الحديث الفظ والكلام الغليظ، الذي من الطبيعي أن يستفز إذا انتقدت أو ظلمت به، لكن تريث وضع نفسك مكان محدثك، واخلق جوا أفضل للتواصل الحر والطليق.
- استخدم روح الدعابة، دون سخرية أو محاولة لتسخيف الأمور.
- كن بسيطا مرحا لطيفا، تضفي جوا من الحب على علاقتك بالآخر، أنى كان، ففي ذلك حمام ضد انفجار بركان الغضب.
- غير من بيئتك المحيطة قدر الإمكان كل فترة، فالإنسان بطبيعته ملول، ولهذا حاول أن تغير وتتغير، حتى مكان المكتب ووضع الفراش والتلفزيون.